فارماجو – د. معين الشريف
القول ان مهنة الصيدلة تواجه تحديات خطيرة هو تعبير لا يصف حقيقة الوضع الحالي ، فالأمور أسوء من ذلك ، بل المهنة على حافة الهاوية ، الوضع كارثي و على وشك الانهيار ، فنحن لا نستند على إشارات بل دلائل واضحة وضوح الشمس .
أتحدث اليوم بكل موضوعية و تجرد ، فما عدت محسوباً على ايٍ من قطاعات المهنة ، فلست موظفاً و لا صاحب صيدلية او مستودع ، أتحدث اليوم عن الكارثة التي حلت بكل قطاعات المهنة و من لم يشعر بها اليوم ، حتماً سيلمسها في قادم الأشهر ، فالشركات تعاني و الصيدليات تقاتل من اجل البقاء و غالبية المستودعات تترنح.
رغم ان خبرتي التي امتدت ل ٢٥ عاماً كانت في مجال التسويق الدوائي و مع اكبر شركة دواء في العالم ،فايزر، إلا أنني شعرت و من خلال عملي بان سوءاً أصاب المهنة بكافة القطاعات ، على ما اذكر كان عدد موظفي شركتنا يتجاوز السبعين عام ٢٠١٢ اما اليوم فهو اقل من النصف في وقت تضاعفت فيه إعداد المسجلين في نقابتنا و هذا يعني ان فرص العمل باتت تقترب من الصفر ، و على ما اذكر أنني أجريت اكثر من ٣٠٠ مقابلة في عام ٢٠١٨ كاملاً لتعين زميلين طيلة ذلك العام ، و غالبية الشركات و المستودعات على ذات المنوال.
قطاع الصيدليات و هو الأكثر تضرراً و معاناة ، فدخل الصيدليات قل و زادت المصاريف و صاحب الصيدلية الذي كان يعين اثنين او ثلاثة من الزملاء بات مكتفياً بواحد و ذلك مدماك جديد في حائط البطالة .
اليوم و أنا الناشط النقابي على مدى أكثر من ٢٠ عاماً أجد نفسي مضطراً للاعتراف بان ما يجري للمهنة و لنا هو ما جنيناه على أنفسنا ، صحيح ان السياسات الحكومية قضت على كل قصص النجاح الاقتصادية في بلدنا إلا أننا نتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية ، فعلى مدى عشرين عاماً سلمنا أمورنا لضعفائنا و لأصحاب المصالح ، فضاعت النقابة و لحقتها المهنة ، لن أقول لكم سقا الله على أيام جردانة و شقير و لن أقول لكم ليت الزمن يعود بنا ٤٠ عاماً للوراء ، بل أود ان أذكركم انه منذ سنوات قليلة كان على سدة نقابتنا من هم بوزن جردانة و شقير ، و لعلي اذكر حادثة يعرفها الكثيرون من الزملاء القدماء و جرت قبل ما يقرب من ١٦ عاماً حيث اهتزت أركان وزارة الصحة مع غضب ذلك النقيب و تدخل العديد من الشخصيات من وزراء و نقابيين لإرضاء النقيب و المجلس في ذلك الوقت على قضية تشكل ربع ما نواجهه اليوم من ناحية الأهمية.
أين نحن من تلك الأيام ، أم ان البغاث في ارضنا استنسر و بتنا ملطشة لأصغر صاحب قرار في الدولة ، و فقدنا تأثيرنا مهنياً و سياسياً و اجتماعياً و أصبحت نقابتنا لا رائحة و لا لون او طعم .
إننا اليوم و نحن على بعد أشهر من الانتخابات ما أحوجنا الى وقفة مراجعه من الجميع لتقيم المرحلة التي نعيشها و تحديداً العشرية الأخيرة و سنواتها الثلاث تحديداً ، هذه السنوات التي توجت مرحلة الانهيار ، فلسان حالنا مع هذا المجلس و كأننا أمام سقوط غرناطة جديدة و نبكي كالنساء ملكاً مضاعاً لم نحافظ عليه مثل الرجال .
نحن بحاجة الى توافق اليوم و لكن ليس بين التيارات و التجمعات ، بل نحتاج لتوافق على اختيار و انتخاب مرشحين جاهزين و معنيين بإنقاذ المهنة أياً كانت انتماءاتهم و توجهاتهم ، فلسنا معنيين بزميل يريد تحقيق حلمه الخاص بان يصبح نقيباً و لا آخر همه الولوج لعضوية المجلس و ثالث له مصالح خاصة يريد تحقيقها على حساب زملاءه و المهنة ، فلكل هؤلاء نقول ابقوا في بيوتكم ، احلموا هناك و حققوا مصالحكم طموحاتكم مع أسركم ، و ليتركوا نقابتنا لأشداء غيورين على مهنتهم و زملائهم و هؤلاء كثر و كثر .
نحن لسنا معنيين بعودة نقباء و أعضاء مجالس كانوا جزءاً من رحلة انهيار المهنة, خصوصاً أولئك الذين تم تغيير قوانين الصيدلة و الدواء في عهدهم و تم إقرار ضريبة المبيعات على الدواء و هم صامتون ، فهؤلاء ابعد ما يكونون عن قيادة المرحلة، إنما نريد النقابيين الحراثين أصحاب الرؤيا من أبناء المهنة ، فعلى هؤلاء ان يتحركوا و ان يخرجوا من حالة الاستقطاب بين هذا التيار و ذاك ، و على كل من يجد في نفسه الكفاءة و القدرة على خدمة المهنة ان يتصدى لذلك و ان يترشح و لا يخشى الخسارة ، فالهدف أسمى و يبرر كل المبادرات .
نريد اليوم نقيباً و مجلساً لا يرتعب و يرتجف من قول كلمة الحق أمام اكبر مسؤول في البلد و ان ينحي مصالحه جانباً و يضع مصالح المهنة و الزملاء على رأس أولوياته .
و كلنا بالانتظار !