فارماجو د. عبدالهادي مدادحه
تقوم الدنيا ولا تكاد تقعد هذه الايام على إرتفاع سعر الدواء في الأردن مقارنة مع سعره في مصر وتركيا. ويفزع نواب وناشطون ويدلون بدلائهم وينظّر بعضهم لمؤامرة اقتضت خروج وزير الصحة السابق "الدكتور غازي الزبن" في التعديل الاخير. وهناك من قال مافيات الداوء وهناك من قال تحالف اللبيراليون الجدد مع مستوردي الدواء.....
كل هذا يا سادة، او معظمه هراء، لان الحديث والاتهام يأتي من غير المختص او المطلع بشكل كافٍ على جوهر الامور. ولأني أزعم أني مطلع فاليكم رأيي :
اولا : لا شك ان سعر الدواء في الأردن مرتفع بالمقارنة مع سعره في مصر وسورية وتركيا. لكن ماذا عن كلفة الخدمات والسلع الاخرى غير الدواء في تلك البلدان. ماذا عن كلفة عملية جراحية في الأردن تفوق خمسة اضعاف كلفتها في مصر او تركيا. مثلا عملية زراعة الشعر في تركيا تكلف الف وخمسماية دولار بما فيها تذاكر السفر واقامة المريض مع مرافق لمدة ثلاثة ايام في اسطنبول. وهذه ليس فيها دواء نهائيا. بينما كلفة نفس العملية في الاردن بحد ادنى الف دينار من دون اقامة ولا تذاكر سفر. ثمن كيلو اللحم في الأردن اربعة اضاعف ثمنه في تركيا وعشرة اضعافه في مصر. ثمن لتر الوقود البنزين في الأردن خمسة اضعاف ثمنه في تركيا وفي مصر..... وهكذا، اذا المسألة ان الدولة هناك تقدم الخدمات والسلع للناس بجودة عالية و باسعار معقولة.
ثانيا : مصر وسورية وتركيا تصنع ما نسبته 85٪ من احتياجها للدواء محليا وتستورد الدولة - وليس القطاع الخاص- 15٪. في الاردن نحن نصنع حوالى 50٪ من احتياجنا ونستورد 50٪ اخرى يستوردها القطاع الخاص الذي يجب ان يربح ليستمر في العمل. الدولة هناك تستورد ولا تربح.
ثالثاً : حجم السوق الاردني يساوي عُشْرُ حجم السوق المصري. (عدد سكان مصر 100 مليون نسمة، تركيا 80 مليون نسمة وسورية 30 مليون نسمة بينما الاردن 10 مليون وتونس 10 مليون ولبنان 4 مليون) سعر الدواء في لبنان اكثر مما هو عليه في الاردن، ويتساوى سعر الدواء في الاردن وتونس تقريبا.
رابعا: تركيا دولة متقدمه صناعيا واجتماعيا واقتصاديا واستطاعت ان تجلب مليارات الدولارات من الاستثمار الخارجي ومنحت تسهيلات للمستثمرين حققت كل طموحاتهم. مثلا ابن/ابنة المستثمر بعد ان يتقن اللغة التركية يدخل الجامعة في اي تخصص يؤهله له معدله ويدفع رسم سنوي 400 دينار اردني. في الأردن هذا الرقم لا يكفي رسوم اشتراك طفل في باص المدرسة.
خامسا : لا ادرِ لماذا غاب عن ذهن الكثيرين ان الدكتور غازي الزبن المحترم والسيد سلامة حماد المحترم ينتمون الى نفس القبيلة "بني صخر" لم يستطع الرئيس - رئيس الحكومة - ان يحتفظ بوزيرين من بدو الوسط في حكومته، فاقتضى الامر ترك الدكتور غازي لمنصبه. ولا اظن ان هناك اي مؤامرة على ابقاء اسعار الادوية مرتفعة. الحقيقة ان جميع السلع والخدمات عالية التكاليف على المواطن الاردني وليس الدواء فقط.
سادسا : هناك المؤسسة العامة للغذاء والدواء وضعت اسس تسعير الادوية في الاردن. وتقوم بواجباتها خير قيام. نتمنى على الدولة ان تراقب اسعار السلع والخدمات الاخرى كما تراقب المؤسسة العامة للغذاء والدواء جودة وسعر الدواء.
سابعا : ارجو من النواب والناشطين الاخرين ان يطلبوا رقابة الدولة على جودة واسعار الخدمات الاخرى كاتعاب الاطباء والمستشفيات واجور المحامين ورواتب اصحاب المهن الاخرى وان تضبط مثلا اجور تصليح سيارتك الخاصة وتتاكد انك حصلت على احسن خدمة بالاجر المناسب. النهضة تكون شاملة ولا تكون فقط في مجال واحد.